
الازمة المناخية هي ازمة عنقودية نظرا لان اسبابها متعددة ومتشعبة كذلك تأثيرها يشمل جميع النواحي الحياتية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويتطلب مواجهاتها تكاتف الجهود على جميع القطاعات المحلية والإقليمية والدولية على حد سواء.
وتعتبر الحوكمة البيئية أحد اهم الاليات من اجل الوصول الى الحياد الكربوني المطلوب، وذلك بهدف تعزيز المواجهة لظاهرة التغيرات المناخية، وتتمثل الحوكمة في مجموعة السياسات والاليات والبرامج الخاصة بالتطبيق الفعال للأهداف البيئية وتعزيز قيم الشفافية والحاسبة البيئية للأنشطة المختلفة واستهلاك الموارد الطبيعية بشكل يضمن تحقيق احتياجات الحالية مع الاخذ في الاعتبار حقوق الاجيال القادمة.
ولذا كان من الضروري ترسيخ مبادئ الحوكمة في الحد من التلوث البيئي وتحسين جودة البيئة، تحت مسمى ” الحوكمة البيئية”، وهى: المشاركة، سيادة القانون، الشفافية، الاستجابة، توافقية التوجه، العدالة والشمولية، الفاعلية والكفاءة، المساءلة، وكذلك تفعيل دور “الحوكمة البيئية” في تعزيز الاستراتيجيات الوطنية من اجل التطبيق الكفئ والفعال لاستراتيجيات التكيف والتخفيف.
تقارير الاستدامة كأحد آليات تطبيق معايير الحوكمة البيئية:
وتأتى أهمية تطبيق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية “ESG Reporting“ للمؤسسات والمنظمات احدى اهم الركائز الوطنية تجاه مواجهة الازمات البيئية والمناخية المختلفة والتي يستوجب العمل على تحجيم هذه الازمات وتفعيل آليات الإنذار المبكر وتقديم سيناريوهات مستقبلية معتمدة على أسس علمية وتقارير حقيقية، كذلك الاعلاء من مبدأ شفافية المؤسسات في جميع النواحي التشغيلية ” بيئيا”، مما يحسن من عملية المتابعة والرقابة الداخلية وضبط الأداء الإداري والبيئي للمؤسسات، بالإضافة الى تحسين الخدمة المقدمة للفئات المستهدفة.
يساهم ذلك في مساعدة صناع القرار على وضع استراتيجيات وطنية مستدامة وفعالة نحو مواجهة الازمات البيئية المختلفة، والتي ترقى بدورها الى المستوى الإقليمي ومنها الدولي.
ونلاحظ اتجاه العالم نحو تطبيق آليات ومبادئ الحوكمة البيئية كأداة لمراجعة مدى مساهمة المؤسسات والمنظمات في تحقيق اهداف التنمية المستدامة من خلال تفعيل نظم الادارة البيئية ويتم التنظيم والرقابة من خلال لجان المراجعة للتأكد من جودة الاداء البيئي وتحقيق التنمية المستدامة، والمساهمة في الحد من المشكلات البيئية واهدار الموارد الطبيعية الناتجة عن الانشطة والممارسات الإنسانية المختلفة، حيث ان المراجعة البيئية تشمل كشف الانحرافات عن الخطط البيئية، ومدى كفاية نظم الادارة البيئية المتبعة داخل المنشأة، ومراجعة نظم المحاسبة البيئية؛ وتتضمن المراجعة البيئية الداخلية تطبيق اجراءات الرقابة والقياس، وبشكل خاص على العمليات والانشطة التي يكون لها تأثير كبير على البيئة.
احصائيات التحول نحو تطبيق الحوكمة البيئية:
شكلت الاحصائيات التي ذكرت في النسخة الأولى من تقرير بي دبليو سي الشرق الأوسط لعام 2022 بشأن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، ضوء اخضر نحو الاتجاه المحرز في تطبيق مبادئ ومعايير الحوكمة البيئية، والتي يمكن تلخيص اهم ما توصل اليه التقرير فيما يلى:
- أشار التقرير ان 18% فقط من المشاركين في الاستطلاع إلى أن مؤسساتهم تمتلك فرقاً ونظماً تتيح تغطية النطاق الكامل للوظائف المرتبطة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية.
- أكثر من ربع المؤسسات (27%) تضمّ اليوم منصب المسؤول التنفيذي لشؤون الاستدامة الذي يتحمل المسؤولية الرئيسية بشأن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية في حوالي نصف هذه المؤسسات. ويشير ذلك إلى تحوّل ملحوظ مقارنةً بنتائج العام 2022
- تبنّت 64% من المؤسسات استراتيجية رسمية للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية في السنة الأخيرة، في حين قام العديد منها بإدراجها ضمن أولوياته.
- مضي المؤسسات قدماً واتخاذها إجراءات عملية بشأن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية
- يرى أكثر من 60% من المشاركين في الاستطلاع أن على القيادات المؤسسية العليا تخصيص مزيد من الوقت لمعالجة المسائل المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، مع اعتبار الاقتصاد الدائري أولوية قصوى.
- أهمية تفعيل مهارات الاستدامة واعتماد التمويل الأخضر لتحقيق الطموحات المناخية
- تحصل 13% فقط من المؤسسات على تمويل مستدام والتحديات ما زالت قائمة في ظل استمرار فجوة المهارات المراعية للبيئة.
وأشار التقرير ان الاحصائيات عاليه، ما هي الا مؤشر لمرحلة “توسّع” جديدة أعمق وأكثر ثراءً. وبهدف مساعدتها على بلوغ مستويات جديدة نحو التطبيق الشامل للحوكمة البيئية، الذى يشمل إجراء تغييرات ملموسة في العمليات التشغيلية والاستفادة من عدد أكبر من فرص التمويل الأخضر المستدام ، والعمل المناخى الفعال، وانه على الحكومات ان تكثّف جهودها وتضع أطر سياسات مماثلة لتلك التي تمّ إطلاقها في دول أخرى مثل قانون الحدّ من التضخم في الولايات المتحدة، والصفقة الجديدة المراعية للبيئة التي وضعتها أوروبا[3]، وخطة سنغافورة الخضراء لعام 2030، والاستراتيجية المصرية لمواجهة التغيرات المناخية 2050.
دور المراجع الخارجي في تطبيق مبادئ الحوكمة البيئية:
ولا يمكن عند الحديث عن تطبيق مبادئ الحوكمة البيئية، ان نغفل عن دور المراجع الخارجي في تفعيل إدارة المخاطر في ظل حوكمة الرقابة الداخلية وذلك لتحسين جودة التقارير المالية، والتي من شأنها تحسين بيئة الرقابة الداخلية وضبط وتفعيل المخاطر التي تتعرض لها المؤسسات والمنظمات، وتحديد ماهية المخاطر التي تتعرض لها المؤسسات والمنظمات المختلفة والتعرف عليها وتقييمها وتحديد طرق التعامل معها، كذلك التعرف على المقومات الشخصية للمراجع الخارجي، والمقومات التنظيمية للمؤسسات والمنظمات المختلفة والتي من شأنها مساعدة المراجع الخارجي في ابراز دوره في تفعيل إدارة المخاطر، التعرف على المحددات التي يأخذها المراجع الخارجي في الحسبان عند قرار الاعتماد عمل المراجعة الداخلية، توضيح دور المراجع الخارجي في عملية تفعيل إدارة المخاطر من خلال دوره التقييمي، والتحكيمى، والإرشادي.
ولتمكين المراجع الخارجي من أداء دوره بكفاءة وفاعلية، يجب تقسيم الإجراءات للتعامل مع المخاطر إلى إجراءات استكشافية وفيها يتم إتباع آليات إدارة وتقييم المخاطر، وتليها الإجراءات التصحيحية التي تساهم في منع المخاطر من الوقوع والتي تتطلب تدخل مباشر من المختصين والخبراء التي من شأنها تصحيح مسار المخاطر في المؤسسات والمنظمات المختلفة ، وإجراء المزيد من الدراسات حول العلاقة بين دور المراجع الخارجي في تفعيل إدارة المخاطر والاساليب الحديثة في الرقابة، لابد من التحديد الواضح لمكونات وأهداف ومحددات النظام الفعال لإدارة المخاطر بالمؤسسات والمنظمات المختلفة البترولية، وإلزام كل قسم داخل المنشأة بتحديد المخاطر الخاصة به بالإضافة إلى التأكد من أن ضوابط الرقابة الداخلية قد تم تضمينها في إجراءاتها، ضرورة وجود إلزام الشركات بتطبيق الاساليب الحديثة في الرقابة لأثرها في تحجيم وتقليل المخاطر، الاهتمام بدراسة مفهوم إدارة المخاطر، قواعده، مبادئه، ومتطلباته، بالإضافة إلى كيفية استخدامه في مجال المراجعة بصفه عامة، وفى مجال دراسة مخاطر الأعمال بصفة خاصة.
الإفصاح المحاسبي ليس بديلا عن الحوكمة البيئية:
ان الإفصاح المحاسبي عن التنمية المستدامة اصبح يمثل مطلبا أساسيا من قبل جميع الأطراف المعنية بالتقارير المالية، حيث أنه يفيد مختلف الأطراف سواء الداخلية أو الخارجية في ترشيد القرارات، فالمعلومات التى تقدمها التقارير المالية فى الوقت الحالي لم تعد كافية او ملائمة لأغراض اتخاذ القرارات، وبالتالي فإن عدد كبير من اصحاب المصالح بدأوا فى التركيز على معلومات اعم واشمل من المعلومات الاقتصادية لذلك كان التركيز على ممارسات التنمية المستدامة بما يشمله من ابعاد أخرى بجانب الاقتصاد وهو البعد الاجتماعي والبيئي.
بل ان الإفصاح البيئي يساهم المؤسسات والمنظمات على الكشف عن الممارسات غير المالية في تحقيقي اهداف التنمية المستدامة، بل ان لهم مردود إيجابي على القوائم المالية والقيمة السوقية للمؤسسات والمنظمات، من خلال ردع التكاليف التي قد تتحملها المؤسسة في المستقبل نتيجة لعدم درايتها الكافية بالمخاطر البيئة والمناخية في الوقت الحاضر[4].
تحديات تطبيق الحوكمة البيئية:
ان تطبيق معايير الحوكمة البيئية داخل القطاعات الحكومية ذات الطابع الخدمي، يواجه العديد من التحديات عند التطبيق والتنفيذ نظرا للبيروقراطية والروتين الإداري وغياب الشفافية والمساواة داخل البيئة التنظيمية التي تعمل فيها تلك القطاعات، ولكن ساعد التطور التقني والإداري والتحول الرقمي في تقديم الخدمات الحكومية والذي تشهده مصر منذ إطلاقها لإستراتيجية التنمية المستدامة 2030 على اتخاذ خطوات إيجابية نحو تطبيق هذه التقارير، الامر الذى ساهم في مواجهة حالات الفساد الإداري في القطاعات الخدمية المنتشرة داخل الوزارات الحكومية بمصر وتحسين الأداء لمواجهة الازمات البيئية والمناخية.
الأمر الذي يجب معه أن تقوم تلك القطاعات بتطبيق نظام مبادئ الحوكمة داخل القطاعات الخدمية، لما لها من تأثير جوهري في عملية مراقبة العاملين وتحسين أدائهم المالي والإداري وتوفير كل ما يؤدى إلى رفع كفاءة الخدمات المقدمة بكفاءة ودقة عالية، فضلا عن تحسين البيئة التنظيمية الداخلية للقطاعات في تحسين بيئة العمل التنظيمية والمادية داخل القطاعات الحكومية بهدف تحسين بيئة العمل من الناحية الإدارية للعاملين، ورفع وتطوير وزيادة فعالية الأداء المؤسسي.
لذلك، فهناك ضرورة أن يتحقق التعاون بين مؤسسات القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني لوضع نظام شامل للحوكمة، والعمل على تطبيق مبادئ الحوكمة في المديريات والمؤسسات الرياضية التابعة لوزارة الشباب والرياضة، لما له من قدرة على التحكم في المتابعة والرقابة الداخلية وضبط الأداء الإداري وتحسين الخدمة المقدمة للفئات المستهدفة.
ومن العرض السابق، يمكن تلخيص اهم التوصيات، فيما يلى:
- أهمية تشجيع جميع القطاعات على ايجاد ادارات بيئية متخصصة في هيكلها التنظيمي يكون مهمتها الأساسية التطبيق السليم لمعايير الحوكمة البيئية وآلياتها للحفاظ على الجوانب البيئية ومراقبتها وتجنب الاخطار البيئية المحتملة، وتحسين جودة الاداء البيئي.
- يعتبر تطبيق تقارير الحوكمة البيئية امر حتمي، من قبل حكومات العالم وكافة المؤسسات، من اجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وكذلك تنفيذا لاستراتيجيات التكيف والتخفيف، من اجل مواجهة آثار ظاهرة التغيرات المناخية.
- تطبيق تقارير الحوكمة البيئية هو عمل جماعي، يجب أن يتم من خلال تكاتف كافة قوى المجتمع الدولي من ناحية، والقوى الداخلية في الدولة من مؤسسات حكومية ومجتمع مدني ومؤسسات القطاع الخاص جنبا الى جنب مع المبادرات الفردية لأفراد المجتمع.
- تقارير الحوكمة البيئية تعنى مواكبة لتكنولوجيا العصر، حيث يحتاج تطبيق الحوكمة البيئية الى استخدام التكنولوجيات الحديثة والاليات المتطورة، فعلى سبيل المثال، استخدام التكنولوجيا الحديثة في توليد الطاقة المتجددة، وكذلك الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية وحمايتها من النضوب، السيطرة على أسباب الانبعاثات الكربونية.
- تطبيق تقارير الحوكمة البيئية هو سلوك إنساني، حيث يحتاج الامر الى زيادة الوعي الفردي بأهمية تطبيقها والعائد من تطبيقها على الفرد والبيئة على حد سواء.
- تطبيق تقارير الحوكمة البيئية تحتاج الى موارد تمويل خضراء، من اجل التطبيق الكفء والفعال لمبادئها والوصول الى النتائج المرجوة منها من اجل الحفاظ على البيئة ومواجهة ظاهرة التغيرات المناخية.
-
الاهتمام بتطوير الدور المهني للمراجع الخارجي عند مراجعة نظم وإجراءات عمليات إدارة المخاطر بالمنشأة لما له من آثار إيجابية كثيرة في بيئة الأعمال، يعتبر من أبرزها تدنية المخاطر وإضفاء الثقة بالتقارير المالية المنشورة المؤسسات والمنظمات المختلفة.
يجب تحديد المخاطر المحتملة أو تحديد درجة إمكانية حدوثها ودرجة تأثيرها ومن ثم تحديد آلية التعامل المناسبة معها
- ضرورة تفعيل إدارة المخاطر على مدى حصوله على أدلة إثبات كافية عن الإجراءات والقواعد الرقابية الداخلية المنظمة لعمليات إدارة المخاطر بالمنشأة والموضوعة بمعرفة إدارة المنشأة.
- تساهم عمليات إدارة المخاطر الجيدة القائمة على أساس علمي بالمؤسسات والمنظمات المختلفة في تخفيض حالات عدم تماثل المعلومات بالتقارير المالية للمنشآت.
- تضطلع إدارة المخاطر بتحديد ومتابعة ورقابة المخاطر بالمنشأة والإقرار عن كافة أنواعها والأرصدة داخل وخارج التقارير المالية، ويراعى في تحليل المخاطر الفترة الزمنية من أجل تحديد المستوى الإجمالي للمخاطر المقبول وذلك بمعرفة مجلس الإدارة.
بضرورة تبنى الجهات المعنية إصدار معيار محاسبي يلزم المؤسسات والمنظمات المختلفة بالإفصاح عن ممارسات التنمية المستدامة من خلال تقارير منفصلة عن القوائم الما
لا تعليق